فصل: (فرع: الإخبار بالوقت)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:وقت العصر]

وأول وقت العصر: إذا صار ظل كل شيء مثله، غير الظل الذي يكون له وقت الزوال، وزاد أنى زيادة.
وآخر وقتها المختار: إذا صار ظل كل شيء مثليه. وبهذا قال الأوزاعي، وأحمد، ومالك.
وقال أبو حنيفة (أول وقت العصر: إذا صار ظل كل شيء مثليه، وآخره: إذا اصفرت الشمس).
دليلنا: ما روي عن ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: صلى بي جبريل الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي الظهر في المرة الثانية حين كان ظل كل شيء مثله، وقت العصر بالأمس، ثم صلى بي العصر في المرة الثانية حين كان ظل كل شيء مثليه».
ومعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله» أي: بدأ بالصلاة.
وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صلى بي الظهر في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثله، وقت العصر بالأمس، وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه» أي: فرغ؛ لأنه جاء ليبين أول الوقت وآخره.
فإذا صار ظل كل شيء مثليه.. ذهب وقت العصر المختار، وبقي وقت الجواز فيها إلى غروب الشمس.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا صار ظل كل شيء مثليه.. ذهب وقت العصر الجائز، وكان ما بعده وقت القضاء.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.. فقد أدرك العصر».

.[مسألة:وقت المغرب]

وأول وقت المغرب: إذا غابت الشمس، وتم غروبها لما روي في حديث ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وصلى بي جبريل المغرب في اليوم الأول، حين وجبت الشمس وأفطر الصائم». و (وجوب الشمس): سقوطها، ولا يفطر الصائم إلا بعد غروب الشمس، ولا خلاف بين أهل العلم في أول وقت المغرب.
إذا ثبت هذا: فليس لابتدائها إلا وقت واحد، وهو: إذا غابت الشمس، وتطهر، وستر عورته، وأذن، وأقام، ودخل في الصلاة.
فإذا فاته الابتداء في هذا الوقت.. أثم وكان قاضيًا. وبه قال الأوزاعي.
وقال مالك: (يمتد وقت المغرب إلى أن يطلع الفجر الثاني).
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود:
(يمتد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق). وحكى ذلك أبو ثور عن الشافعي في القديم، وهو اختيار ابن المنذر، والزبيري من أصحابنا.
وقال الشيخ أبو حامد: لا يعرف هذا للشافعي.
ودليلنا: ما روي في حديث ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل المغرب في المرة الثانية لوقتها الأول».
وقال الشيخ أبو حامد: وعبارة أصحابنا: إن للمغرب وقتًا واحدًا، ولسائر الصلوات وقتين.. خطأ، بل الصلوات كلها لها وقت واحد، وإنما سائر الصلوات يمتد وقتها ويطول، ووقت المغرب قصير غير ممتد.
وإذا دخل في المغرب في وقتها.. فكم القدر الذي يجوز له استدامتها؟
فيه ثلاثة أوجه:
الأول: قال أبو إسحاق: له أن يستديمها إلى غيبوبة الشفق؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ الأعراف في صلاة المغرب». ولا يفرغ منها إلا بعد غيبوبة الشفق.
والثاني: يجوز له أن يستديمها قدر ثلاث ركعات، لا طويلات، ولا قصيرات؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاها ثلاث ركعات.
والثالث: أن له أن يستديمها بمقدار أول الوقت من سائر الصلوات، وذلك ما لا يبلغ نصف وقتها؛ قياسًا على غيرها. هكذا ذكره عامة أصحابنا.
وذكر ابن الصباغ: أن الوجهين الآخرين في وقت ابتدائها أيضًا.

.فرع: [الحفاظ على اسم المغرب]

روى البخاري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، إنها المغرب، وإن العرب تسميها العشاء».

.[مسألة:وقت العشاء]

وأول وقت العشاء: إذا غاب الشفق، بلا خلاف بين أهل العلم؛ لما روى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «صلى بي جبريل العشاء حين غاب الشفق».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن أول وقت العشاء إذا غاب الشفق».
واختلف العلماء: أي شفق هو؟
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: أنه الشفق الأحمر. وبه قال ابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، ومن الفقهاء: مالك، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة، والأوزاعي، والمزني: (بل هو الشفق الأبيض).
وقال أحمد: (إن كان في الصحراء.. فحين يغيب الأحمر، وإن كان في البنيان.. فحين يغيب الأبيض).
دليلنا: ما روي عن جابر: «أن رجلاً سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مواقيت الصلاة؛ فقال: لو صليت معنا».. " فذكر الحديث، إلى أن قال: «فصلى المغرب حين غابت الشمس، وصلى العشاء قبل غيبوبة الشفق».
ولا يجوز أنه أراد به: الأحمر؛ لأن ذلك لا يجوز بالإجماع، فثبت أنه أراد به: الأبيض.
وروى النعمان بن بشير: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة».
وهذا يكون قبل غيبوبة الشفق الأبيض. ولأنها صلاة تجب بعلم يشاركه غيره في اسمه، فوجبت بأظهرهما، كالصبح.
واختلف قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر وقتها المختار:
فقال في الجديد: (إلى ثلث الليل). وبه قال عمر بن الخطاب، وأبو هريرة. وعمر بن عبد العزيز؛ لما روي في حديث ابن عباس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ثم صلى بي العشاء في المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل».
وقال في القديم و " الإملاء ": (إلى نصف الليل).
قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصح؛ لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل».
فإذا ذهب ثلث الليل، أو نصفه.. ذهب وقتها المختار، وبقي وقت الجواز إلى طلوع الفجر.
وقال أبو سعيد الإصطخري: يفوت وقتها، ويكون ما بعده وقتا للقضاء.
وحكى ابن الصباغ: أن الشيخ أبا حامد قال:
إذا قلنا بالقول الجديد: وأن آخر وقتها إذا ذهب ثلث الليل.. كان ما بعد ذلك قاضيًا؛ لأن الشافعي قال: (فإذا ذهب ثلث الليل.. فلا أراها إلا فائتة).
والأول أصح؛ لما روى أبو موسى الأشعري: قال: «أعتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات ليلة حتى ابهار الليل» أي: تهور.
وروي عن بعض الصحابة: أنه قال: «بقينا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة، حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح» ومعنى قوله: (بقينا) أي: انتظرنا. و (الفلاح): السحور. والفلاح لا يخاف فوته إلا بطلوع الفجر.

.[فرع: كراهية تسمية العشاء عتمة]

قال في "الأم" [1/64] (ولا أحب أن تسمى صلاة العشاء بالعتمة؛ لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، هي العشاء،
ألا إنهم يعتمون بالإبل» لأنهم كانوا يؤخرون الحلب إلى أن يعتم الليل، ويسمون الحلبة: العتمة).
ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها؛ لما روي: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن ذلك).

.[مسألة:وقت الفجر]

ويدخل أول وقت الصبح بطلوع (الفجر الثاني): وهو الفجر الصادق المنتشر عرضًا، وسمي: صادقا؛ لأنه صدقك عن الصبح.
وأما (الفجر الأول): فهو المستدق المتنفس صعدًا، كذنب السرحان، وهو: الذئب، وسمي: الفجر الكاذب؛ لأنه يضيء، ثم يسود، ويسمى: الخيط الأسود، ولا يتعلق به شيء من الأحكام.
والدليل عليه: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الفجر فجران: فأما الذي هو كذنب السرحان: فلا يحل الصلاة، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم، وأما المستطير في الأفق: فإنه يحرم الطعام والشراب على الصائم، ويحل الصلاة».
وروى سمرة بن جندب: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يمنعنكم أذان بلال من سحوركم، ولكن الفجر المستطير في الأفق».
ثم لا يزال الوقت المختار باقيًا إلى أن يسفر؛ لما روى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: صلى بي جبريل الصبح في اليوم الأول حين طلع الفجر، ثم صلى بي الصبح في اليوم الثاني حين أسفر، ثم قال: فيما بين هذين الوقت».
ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا أسفر.. ذهب الوقت، وكان قاضيًا فيما بعده.
دليلنا: ما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس.. فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.. فقد أدرك العصر» كذا في البخاري.
ويكره أن تسمى صلاة الغداة؛ لأن الله تعالى سماها صلاة الفجر بقوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78]. وسماها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الصبح».
إذا ثبت هذا: فإن صلاة الصبح من صلاة النهار. وبه قال كافة العلماء.
وقال بعض الناس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من الليل، ولا من النهار.
وقال حذيفة، والأعمش: (الليل من غروب الشمس إلى طلوعها). فصلاة الصبح عندهما من صلاة الليل، ولا يحرم على الصائم الطعام والشراب، حتى تطلع الشمس، واحتجا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلاة النهار عجماء» وصلاة الصبح مما يجهر فيها.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].
ولأن الأمة أجمعت على تحريم الطعام والشراب على الصائم بطلوع الفجر.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114]. وقال أهل التفسير: أراد الصبح والعصر.
وأما قوله: «صلاة النهار عجماء»: فلا يصح ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما هو من قول بعض الفقهاء، فإن صح.. فالمراد به: معظم صلاة النهار عجماء، بدليل: أن الجمعة والعيدين من صلاة النهار، ويجهر فيهما.
والدليل على من قال: إن بين الليل والنهار فصلاً.. قَوْله تَعَالَى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران: 27]. فدل على: أنه لا فاصل بينهما.

.[مسألة:وجود الغيم في السماء]

إذا كان في السماء غيم راعى فرجة الشمس، فإن بان له منها ما يدله على الوقت.. عمل عليه، وإن لم يرها.. استدل على دخول الوقت بمرور ما يعتاده من: قراءة القرآن، أو درس، أو عمل، فإذا غلب على ظنه.. عمل عليه.
قال الشيخ أبو حامد: وإنما جاز له الصلاة بغلبة الظن؛ لأن السماء لو كانت مصحية، فغلب على ظنه دخول الوقت من غير أن يراعي الشمس.. جاز له أن يصلي، فبأن يجوز له في يوم الغيم أولى.
قال: وكان ابن المرزبان من أصحابنا يقول: لا يجوز له أن يصلي، حتى يعرف دخول الوقت بيقين. وهذا خطأ.
فإذا صلى بالاجتهاد، وبان له أنه صلى في الوقت، أو فيما بعده أجزأه. وإن بان له أنه صلى قبل الوقت.. لم يجزئه، سواء علم ذلك بنفسه، أو أخبره غيره عن ذلك عن علم، لا عن اجتهاد، كالحاكم إذا حكم بالاجتهاد، ثم وجد النص بخلافه.

.[فرع: الإخبار بالوقت]

وأما الأعمى والمحبوس في ظلمة - إذا أخبرهما غيرهما عن الوقت -: فإن أخبرهما عن مشاهدة، وكان مصدقًا.. لزمهما قبول قوله، كما يلزم المجتهد قبول الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإن أخبرهما عن اجتهاد، فإن كان لهما طريق إلى الاجتهاد بالوقت: بقراءة أو درس، أو عمل.. لم يجز لهما العمل بقول من يجتهد لهما، كما لا يجوز للحاكم أن يحكم باجتهاد غيره.
وإن لم يكن لهما طريق إلى الاجتهاد بالوقت.. فهل يجوز لهما تقليد من يجتهد لهما؟
فيه وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو ظاهر النص؛ لأن في أمارات الوقت ما يدرك بالنظر، ومنها ما يدرك بالعمل، فإذا تعذر الأمران.. لم يبق غير اجتهاد غيره.
والثاني: لا يجوز لهما؛ لأنهما من أهل الاجتهاد، فهما كالبصر الذي ليس بمحبوس.

.[فرع: سماع المؤذن]

وهل يجوز الرجوع إلى سماع المؤذن؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها - وهو قول أبي العباس، والشيخ أبي حامد -: أنه يجوز ذلك للبصير والأعمى؛ لأن المؤذن لا يؤذن في العادة إلا بعد دخول الوقت.
والثاني - وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه يجوز للأعمى الرجوع إلى قوله، ولا يجوز ذلك للبصير؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - خص الأعمى بذلك. ولأنه يجوز أن يكون قد أذن عن اجتهاد، لا عن مشاهدة.
والثالث - وهو قول ابن الصباغ -: إن كان في الصحو.. جاز الرجوع إلى قوله للبصير والأعمى؛ لأنه إذا كان ثقة.. فالظاهر: أنه لا يؤذن في الصحو إلا بعد العلم بدخول الوقت من طريق المشاهدة، فيكون ذلك خبرًا.
وإن كان غيم.. جاز للأعمى تقليده إن لم يغلب على ظنه دخول الوقت. ولا يجوز للبصير؛ لأنه يحتمل أن يكون أذن عن اجتهاد، والبصير من أهل الاجتهاد.
قال في "الفروع": فإن كان منجمًا، فعلم دخول الوقت بالحساب.. فهل يقبل قوله فيه، وفي شهر رمضان؟ فيه وجهان:
المذهب: أنه يعمل عليه بنفسه، وأما غيره: فلا يعمل عليه.

.[فرع: الصلاة من غير تأكد]

فإن صلى المحبوس في ظلمة، أو الأعمى، أو البصير من غير توخ، فوافقوا الوقت.. أعادوا الصلاة؛ لأنهم صلوا من غير خبر، ولا غلبة ظن.

.[مسألة:في وجوب الصلاة بأول وقتها]

الصلاة تجب عندنا بأول الوقت، ويستقر الوجوب بإمكان الأداء.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه: (تجب الصلاة بآخر الوقت، وإنما أول الوقت وقت؛ لجواز فعل الصلاة فيه). وقد اختلفوا في وقت الوجوب:
فذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد إلى: (أنها تجب إذا بقي من آخر الوقت قدر تكبيرة).
وذهب زفر إلى: أنها تجب إذا بقي مقدار ما يصلى فيه صلاة الوقت.
فأما إذا صلى في أوله: فذهب أكثرهم إلى: أنها تقع مراعاة، فإن بقي إلى آخر الوقت، وهو على صفة تلزمه الصلاة.. تبين بذلك أنها كانت فريضة. وإن خرج عن أن يكون من أهل وجوب الصلاة في آخر الوقت.. تبين أنها كانت نفلاً.
وذهب الكرخي إلى: أنه إذا صلى في أول الوقت.. كانت نفلاً. فإن بقي إلى آخر الوقت، وهو من أهل الوجوب.. منع ذلك النفل وجوب الفرض عليه.
ودليلنا: قَوْله تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية [الإسراء: 78]. والأمر إذا تجرد.. اقتضى الوجوب، وذلك يتناول أول الوقت.
ولأنها عبادة بدنية، ليس من شرط وجوبها المال، فوجب أن يكون أول وقت جواز فعلها متبوعة وقتًا لوجوبها، كالصوم.
فقولنا: (عبادة بدنية) احتراز من الزكاة؛ لأنه يجوز تقديم فعلها على وقت وجوبها.
وقولنا: (ليس من شرط وجوبها المال) احتراز من الحج.
وقولنا: (متبوعة) احتراز من العصر، إذا فعلها في وقت الظهر، على سبيل الجمع؛ لأنها لا تفعل متبوعة، بل تفعل تابعة للظهر.

.[فرع: أفضل وقت الصبح]

والأفضل: أن يصلي الصبح في (أول وقتها): وهو إذا تحقق طلوع الفجر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن الزبير، وأنس، وأبي موسى، وأبي هريرة. وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى: (أن الإسفار بها أفضل، إلا أن يخشى طلوع الشمس.. فيكره تأخيرها). وروي ذلك عن ابن مسعود.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238].
ومن المحافظة عليها فعلها في أول وقتها.
وروي عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: «كن نساء من المؤمنات ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس». وهذا إخبار عن مداومة.
وروى أبو مسعود البدري قال: «صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة الصبح مرة بغلس ثم صلاها مرة أخرى بعد ما أسفر، ثم لم يصليها بغلس، إلى أن مات، ولم يعد إلى الإسفار».

.[فرع: أفضل وقت الظهر]

وأما صلاة الظهر: فإن كانت في غير وقت الحر.. فتقديمها في أول وقتها أفضل.
وقال مالك: (الأفضل أن يؤخرها، حتى يصير الفيء قدر ذراع).
وقال أبو حنيفة: (تعجيلها في الشتاء أفضل، وتأخيرها في الصيف أفضل). ولا يراعي الإبراد.
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة لأول وقتها».
وإن كان في وقت الحر.. فتأخيرها أفضل بأربع شروط:
إحداهن: أن تكون الصلاة تصلى جماعة في مسجد الجماعات.
الثانية: أن يكون ذلك في شدة الحر.
الثالثة: أن يكون في البلاد الحارة.
الرابعة: أن ينتاب الناس الصلاة من البعد.
قال ابن الصباغ: وله قول آخر في " البويطي ": (إن القريب والبعيد في ذلك سواء).
ووجهه: أن القريب يلحقه حر المسجد، ويشق عليه ذلك، فيتأذى به، كما يتأذى البعيد.
والدليل على ما ذكرناه: ما روى أبو ذر قال: «كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال: أبرد ثم أراد أن يؤذن ثانيًا، فقال: أبرد مرتين أو ثلاثًا، حتى رأينا فيء التلول، ثم قال: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر.. فأبردوا بالصلاة».
قال الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يؤخرها إلى القدر الذي إذا صلاها فيه.. كان بين فراغه منها، وبين آخر الوقت فصل).
وفي الجمعة وجهان:
أحدهما: يبرد بها، كما يبرد في الظهر، إذا وجدت فيه الشرائط الأربع، كما ذكرناه في الظهر.
والثاني: لا يبرد بها؛ لأن الناس قد ندبوا إلى التبكير لها، ويشق عليهم الانتظار، بل يؤذيهم حر المسجد.
وهل الإبراد بالصلاة عند وجود هذه الشرائط سنة، أو رخصة؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه سنة؛ لأن شدة الحر تذهب الخشوع، فجرى مجرى الذي به حاجة إلى الطعام عند حضور الصلاة.. فإنه يستحب له البداية به.
والثاني: أنه رخصة؛ لأن الشافعي قال في " البويطي ": (أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتأخيرها في الحر توسعة، ورفقًا بالذين ينتابونه).
والأول أصح؛ لأن أقل أحوال الأمر الندب.